الصحراء زووم :  سيد احمد السلامي

تزامنا مع المناقشات الجارية داخل أروقة مجلس الأمن الدولي بشأن الوضع في الصحراء، والمشاورات الجارية من أجل البحث عن مبعوث جديد، واستباقا لطرح مشروع القرار الأمريكي على أعضاء مجلس الأمن الدولي للتصويت، في 29 أكتوبر الجاري، تتحرك الديبلوماسية المغربية في عدة اتجاهات لطرق أبواب العواصم الكبرى الفاعلة داخل هذه المناقشات والمشاورات.

وفي هذا الإطار قام وزير الخارجية والتعاون الدولي ناصر بوريطة بزيارة إلى العاصمة الأمريكية واشنطن التقى خلالها بمسؤولين رفيعي المستوى داخل الإدارة الأمريكية وعلى رأسهم وزير الخارجية مايك بومبيو، ومساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية ديفيد هيل المكلف داخل الإدارة الأمريكية بمتابعة ملف الصحراء، كما التقى كل من ابنة الرئيس الأمريكي ايفانكا ترامب، وصهره ومستشاره جاريد كوشنر.

لقاءات تحاول من خلالها الديبلوماسية المغربية استباق تقديم مسودة مشروع القرار الأمريكي حول الوضع في الصحراء، وإقناع صناع القرار داخل واشنطن، التي باتت تبدي اهتماما متزايدا بالملف، بالأخذ بعين الاعتبار مواقف المغرب ومصالحه في النزاع، وهي مهمة لا تبدو مستحيلة خاصة بعد خروج مستشار البيت الأبيض للأمن القومي جون بولتون من دائرة صنع القرار الأمريكي، إضافة إلى التقاطعات الحاصلة في المواقف بين البلدين في عدة ملفات دولية وعلى رأسها الملف الإيراني، والذي أشار له البيان الصادر عقب لقاء وزيري خارجية البلدين.

هذا ومن المرتقب أن يحل وزير الخارجية والتعاون الدولي ناصر بوريطة بالعاصمة البريطانية لندن، والتي قام كاتبها للدولة المكلف بالتنمية الدولية والتنمية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أندرو موريسون، بزيارة الى المغرب في شتنبر الماضي، وذلك في إطار الدورة الثانية من الحوار الاستراتيجي المغربي البريطاني، حيث أعلن دعم بلاده الكامل للمسلسل الأممي الرامي إلى إيجاد حل لقضية الصحراء، وللجهود الجدية وذات المصداقية التي يبذلها المغرب في هذا الصدد.

كما تتزامن هذه التحركات واللقاءات مع المشاركة الكبيرة والفاعلة للمغرب في القمة الروسية الافريقية المنعقدة بروسيا، بوفد حكومي واقتصادي رفيع المستوى يقوده رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، إدراكا من المغرب للدور الكبير الذي باتت تلعبه موسكو على الساحة الدولية ورغبتها الجامحة في تعزيز نفوذها الدولي، وتعزيز علاقاتها مع مختلف القوى الاقليمية الفاعلة، حيث تبرز المملكة كأحد أهم القوى والأقطاب الاقتصادية في شمال افريقيا

روسيا المنتشية بانتصارها الاستراتيجي في سوريا، والذي ثبت وجودها كرقم فاعل في معادلة الشرق الأوسط، لطالما أظهرت براغماتية في ملفات عديدة دولية لعل أبرزها موقفها المتحفظ من ما عرف بثورات الربيع العربي، ورفضها لاستعمال القوة لتغيير الانظمة، وعدم انخراطها في الضغوط الدولية على المملكة السعودية، بعد اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، والتي تنطلق في رؤيتها للعلاقات الدولية على أساس احترام سيادة الدول، ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول، يعول عليها المغرب في تحقيق التوازن الدولي، ولجم أي مواقف قد تمس المصالح المغربية خلال مناقشة القرار الخاص بالوضع في الصحراء، على غرار ما حصل حين قدمت الإدارة الأمريكية مشروعا يقضي بتوسيع صلاحيات بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، حيث ساهم التحفظ الروسي إلى جانب الرفض الفرنسي في إسقاط المشروع.

جهود الديبلوماسية المغربية وتحركاتها في كل الاتجاهات، يحرص من خلالها المغرب الى الاطلاع عن كثب على المناقشات الجارية داخل أروقة مجلس الأمن لبحث الوضع في الصحراء، خاصة وأنها تجري في ظل رئاسة جنوب افريقيا التي تنافح عن طرح البوليساريو، والعمل على تطويق أي محاولة لتمرير أي قرار قد يمس بالمصالح المغربية، كما تهدف هذه التحركات الديبلوماسية المتواصلة إلى البقاء في صورة الجهود الرامية إلى تعيين مبعوث جديد، والوقوف في وجه أي محاولات للدفع بشخصية ديبلوماسية قد لا تخدم مصالح المملكة، وهو ما أشار له زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي في رسالته أمس الأربعاء إلى أعضاء مجلس الأمن، حين انتقد ضمنيا إشراك المغرب واطلاعه على المشاورات الجارية بالأمم المتحدة لتعيين خليفة المبعوث السابق هورست كولر.

تحركات تأتي كذلك في ظل معطيات إقليمية ودولية مستجدة، أبرزها عودة المملكة للاتحاد الافريقي، وهي العودة التي ساهمت في الحد من محاولات إقحام الاتحاد في تسوية نزاع الصحراء، بالإضافة كذلك إلى خفوت صوت الديبلوماسية الجزائرية ومحدودية تحركاتها ونشاطاتها في الفترة الاخيرة، بسبب انشغالها بترتيبات المرحلة الجديدة، وانتخاب رئيس جديد، وهي التغيرات التي ستحمل بلا شك جديدا على مستوى ترتيب العلاقات المغربية الجزائرية ومعالجة الملفات الشائكة بين البلدين وعلى رأسها ملف الحدود ونزاع الصحراء، ولعل التصريحات الأخيرة غير المسبوقة لأحد القياديين البارزين لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعيداني، والتي اعتبر فيها أن الصحراء كانت تاريخيا جزءا لا يتجزأ من التراب المغربي، تسير في هذا الاتجاه.

Tweet