الصحراء زووم : عبد القادر داود

في خرجة اعلامية جديدة لمن اعتاد اللعب على الحبال وارتداء عباءة المثقف العضوي أحيانا، والتدثر بالمناطقية أحايين كثيرة، وبعد أن ضاقت عليه الأرض بما رحبت وفي محاولة يائسة تجسد سياسة الأرض المحروقة، انتقد الرئيس السابق لجهة كلميم واد نون النخبة السياسة بالصحراء من أقصاها الى أقصاها وذلك على خلفية الإحتفاء بالموقف الأمريكي الجديد، بمنطق التعميم والتعتيم وهو لعمري أكبر خطأ يمكن أن يقع فيه أي باحث مبتدئ في العلوم السياسية.

بوعيدة الذي يحيط نفسه بهالة هلامية يجعل نفسه من خلالها مركزا للكون، وهو العارف بالعلوم السياسية والقانون الإداري والسياسات العمومية وتوجهات الجماهير، في حالة نفسية فريدة من نوعها وكأنه هو الإستثناء الوحيد، العالم بخبايا عوالم السياسة والممسك بتلابيب التحليل السياسي والخبير الاستراتيجي والمنظر الذي لا يشق له غبار، والذي إستعطفته جبهة البوليساريو ذات يوم على حد قوله بالتوقف عن الكتابة لأنه يبرز للدبلوماسية المغربية بجهابذتها ومنظريها مكامن الخلل والنواقص في تدبير ملف نزاع الصحراء، ومن سخرية القدر ومفارقاته ان بوعيدة هو الشخص الوحيد على مستوى اثنا عشر جهة بالمغرب، الذي سجل باسمه سبق الفشل في التحكم بأغلبيته، التي انفضت من حوله بعد أن حول دورات المجلس من صرح لمناقشة مشاكل الجهة العويصة والمركبة والشديدة التعقيد، والعمل على إيجاد الحلول لها، الى قسم دراسي للفصل الثالث لمناقشة الاعراب وابجديات سيبويه حول المبتدأ والخبر، والفرق بين الجملة الاسمية والفعلية، في ابشع صور العبث السياسي وخطاب المظلومية الذي صدع به رؤوس الساكنة، في تجلي للبون الصارخ بين لذة التنظير والممارسة العملية على أرض الواقع بإكراهاتها وثقل أعباءها .

خرجات إعلامية متواصلة تنضح بالتجني والتهجم على من إختار أن يلوذ بالصمت، ترفعا عن الخوض في سفاسف الأمور، احتراما لوشائج دموية متداخلة بين مكونات المجتمع الصحراوي، وتقديرا لتاريخ عائلة كريمة وكبيرة، عله يتعظ او يتلقف الإشارة، وقديما قيل اللبيب بالإشارة يفهم، ترفع تلقفه الدكتور بشكل خاطئ جدا، حيث بدل العدول عن ذات النهج تمادى في الترويج لخطاب الشيطنة، بل وإطلاق أحكام قيمة وتأويلات ما أنزل الله بها من سلطان، من خلال وصفه للقاء الحاشد الذي دعي له بمدينة العيون، انتشاء بالإعتراف التاريخي والصريح للولايات المتحدة الأمريكية، بأنه موجه لاستعراض القوة وحملة إنتخابية سابقة لأونها، بل شطح فكره عاليا بوصف اللقاء الجماهيري بأنه موجه لإبتزاز الدولة، ونحن هنا نتساءل عن من يمارس الإبتزاز بشكل فج ويجعل نفسه أستاذا يعطي الدروس لمؤسسات  دولة متجذرة بالتاريخ لأكثر من اثنا عشر قرنا من الزمن، ومن جهة أخرى كيف يستقيم تفسير الدعم والتثمين الذي صدحت به الحناجر بساحة قصر المؤتمرات لجهود الدبلوماسية الملكية على نصرها المؤزر في حسم أهم الملفات التي تؤرق المغاربة، بأنه "مجرد ابتزاز"، أم أن دكتورنا المفدى قد أصيب بعمى الألوان؟ وبات يضرب خبط عشواء عل إحداها تصيب الهدف وتعيده لواجهة فقدها بما جنته يداه؟ ثم ماهي الأسباب التي تمنع الدكتور هو الآخر من استعراض عضلاته واستنفار قاعدته الجماهيرية العريضة، التي لا وجود لها الا في مخيلته ومواقع التواصل الإجتماعي.

لقد كانت الخرجة لمن انتقل من الملعب الكبير للسياسة، وصناعة القرار السياسي، الى مواقع التوصل الإجتماعي وتأثيراتها الافتراضية، بحثا عن إعجابات ماسخة الطعم ومجهولة الهوية، كانت كفيلة بأن تسقط أوراق التوت عن من يدعي الفضيلة والمظلومية، ويحاول تسويق المثالية والترفع عن صغائر الأمور، وهو الغارق من أخمص قدميه الى أذنيه في التمسك بأهداب زرع بذور الفتنة والشقاق بين مكونات المجتمع الواحد، ولعل قول الدكتور خريج احدى الجامعات الصغيرة بمصر، بإحدى مقالاته بجريدة الاسبوع الصحفي، عند طرح مشروع الجهوية ومعالجته "العلمية الفذة والمتفردة" للتسريبات التي تحدثت عن جعل جهة العيون والداخلة جهة واحدة، بالقول بأن المثقف قد يجد نفسه في بعض الأحيان، مضطرا لنزع عباءة المثقف واختيار اللبوس القبلي، قول يزرع الكثير من علامات الشك والريبة حول الأهداف الخفية لسيادته !!؟

لقد تابعت الحلقة الثانية من برنامجك الجديد بدون رتوش، والذي جعلته منصة تنتقد من خلالها نخب الصحراء والدولة والأحزاب بلجهة هجينة، والذي يبقى حديثا ذو شجون خاص،  فما نطق به لسانك هو شواهد إثبات وليست أدلة تبرئ ساحتك، وتكشف عقمك الفكري وتناقضاتك الفجة والصارخة، وهلاوسك غير المبنية لا على منهج تحليلي سليم ولا على فكر قويم، وأنت من إخترت بالتزامن والاستحقاقات الانتخابية الماضية، ما اعتبرته حصان طروادة، بناء على فهمك وقراءتك للواقع السياسي والإجتماعي بجهة وادنون، واخترت الطريق السهلة للوصول لكرسي الرئاسة بذات المنطق الذي تنتقده اليوم، وها أنت اليوم تقول في الحزب والمنطق الانتخابي ما لم يقله مالك في الخمر، بعد أن شيدت خطابك الإنتخابي على دغدغة مشاعر أبناء جهة كلميم الشوامخ، واستنهاض هممهم لضمان أصواتهم، وبعد أن حصدت الفشل وما زرعت يمناك، تتباكى اليوم على ذات المعايير التي مكنتك ذات يوم من تبوء منصب رئاسة الجهة.

دكتورنا الفاضل، المثقف العضوي هو من يواجه العواصف مهما كانت عاتية وعصية على المقاومة لا من ينحني لها، فقد كان من باب أولى أن ترفض المنطق الإنتخابي جملة وتفصيلا، وتكفر به كأساس ونتيجة، لا أن تنخرط فيه وتشرعنه، وبعد خروجك من الباب الضيق تكشر عن أنيابك معريا عن انتهازيتك وبراغماتيتك، تكيل التهم والشتائم كقزم كسيح، يرمي قمم جبال لا ترام، وتتهجم على النمط الإنتخابي والأحزاب، بل وتتطاول على المواطنين والمواطنات، وتصفهم ببائعي الضمير وتحملهم بكل تعجرف مسؤولية إخفاقاتك المدوية.

أما بخصوص انتقادك بعد الطرد للحزب الذي أوصلك لسدة الرئاسة، فأعتقد أن الرئيس السابق لجهة وادنون، نسي أو تناسى مداخلاته وقصائده الشعرية في رئيس الحزب ومبادئه وقيمه، التي لازال موقع يوتيوب يحفظ مقاطعها، وكأنه هو الآخر منخرط في الحملة الدولية ضد الرئيس المفدى لصاحب الصولة والصولجان، ولأني مصر على إحياء وتنشيط ذاكرة السمك لديكم، فلا بأس من تذكيركم بخطبكم العصماء في حق حزب التقدم والإشتراكية وزعامته والحبل على الجرار بالنسبة لحاضنتك الحزبية المستقبلية شكرا وذما ..

كما أن المضحك المبكي هو أننا نراك اليوم تفتح قنوات تواصل جديدة للانضمام لحزب جديد، بكل سلاسة ودون أدنى حمرة خجل او إعتبار للقناعة الإيديولوجية أو الوازع الأخلاقي، وهذا مربط الفرس في فساد العملية السياسة من خلال تكريس الترحال السياسي، وكأن لسان حالك اليوم يقول أنك تضع نفسك وبكل أريحية واختيار، في سوق نخاسة الأحزاب السياسية، وبمنطق من يدفع أكثر ومن يملك القاعدة الإنتخابية والسند ليعبد لك من جديد طريق رئاسة الجهة في حلم تملكك وسكن جوارحك، وأنت المدرك أكثر من غيرك، أنه عصي المنال وفي حكم المحال، أليست هذه قمة الإنتهازية وأبشع صور الميكيافلية بأن الغاية تبرر الوسيلة! فأي ثقافة وأي مصلحة مجتمعية تتحدث عنها ؟؟؟ أليست هي ذات الأسس والمعايير التي تعيبها على الآخرين، فما السر وراء إباحتها لنفسك وربما تبتغي من عرابي العدالة والتنمية إصدار فتوى دينية بشرعيتها؟

هواجس وهلوسات ومنطق مختل، أبدع دكتورنا في تكرارها طيلة البرنامج، وهو من فشل في السيطرة وترقيع أغلبيته التي انفضت من حوله، تاركة إياه يواجه مصيره المحتوم، بإشهار الورقة الحمراء في وجهه من طرف وزارة الداخلية، ليخرج اليوم بخفي حنين، بعد سنوات عجاف عاشتها ساكنة الجهة في ظل رئاسته، سنوات بشعة من إنتاج الفشل والفقر المدقع وتعطيل للمشاريع، كل ذلك دون أن يرف للرئيس جفن، أو يتحلى بشجاعة سياسية أو أخلاقية ستحفظها كتب التاريخ، لو إختار التنحي بمحض إرداته الحرة وإفساح المجال لغيره صونا وترجيحا لمصالح الساكنة وهمومها، بيد أنك اخترت التمسك بالمنصب على حساب الجميع، وحتى آخر رمق، وكأني بك تردد في دواخلك، أنا ومن بعدي الطوفان، عاضا بالنواجذ على الشعار الخالد لشبيحة بشار الأسد "يا الأسد يانحرق البلد".

واقع الحال الذي فشل في استيعابه الدكتور الذي ملأ الدنيا صراخا وعويلا،  والذي سيذهب مع الرياح ليناطح عواء الذئاب، أن عقراب الزمن لن تعود أبدا للوراء، وأن من وصفهتم بالنخب السياسية والعائلات الحاكمة في الصحراء، هي من خبرت الواقع وعاشته بتفاصيله وبقربها من الناس وهمومهم، والإنكباب على حلحلة مشاكلهم وقضاياهم بالعمل في الميدان بعفوية وبتواضع منقطع النظير، وليس بالخطابات الفارغة والجوفاء من علياء الأبراج العاجية، ومكانتها ستبقى محفوظة في القلوب والألباب، لأسباب يجهلها الدكتور المفدى، وأكبر من أن يستوعبها ما دام لا صوت يعلو في مخيلته على النظرة السوداوية للمتغيرات والأحداث والشخوص.

وختاما يبقى الثابت في المعادلة ودون إستعلاء أو نظرة فوقية، أن الدكتور مدعو اليوم لجلسة صراحة مع الذات، يقيم من خلالها المكاسب والخسائر، فالنخب السياسة بالصحراء، وتحديدا بمدينة العيون، ليست مسؤولة عن إنفضاض القوم من حولك، ولا علاقة لها بطردك من الحزب؟ ولا يد لها في إفساد علاقتك العائلية مع أسرة كريمة، نكن لها كل التقدير والإحترام، كما أنه لا دخل لها في البلوكاج الذي ضيع سنوات من عمر تنمية جهة كلميم واد نون، وهي غير مسؤولة عن حرمانك من منصب سفير بإحدى الدول الأوربية بناء على الصفقة التي تنكرت لها لاحقا، والحال ذاته ينطبق على علاقتك المترنحة مع الفرقاء السياسيين، والأمر ذاته بالنسبة لحروبك الإفتراضية ضد طواحين الهواء.

Tweet