الصحراء زووم _ أفارقة جنوب الصحراء… مهاجرون بدون وطن

 



أضيف في 12 دجنبر 2014 الساعة 00:21


أفارقة جنوب الصحراء… مهاجرون بدون وطن


بشرة سمراء، بنيات جسدية تختلف باختلاف هيئاتهم، مظهر أنيق أو لباس بئيس، هكذا تتنوع صفات وجنسيات العديد من المهاجرين من بلدان جنوب الصحراء، الذين دخلوها بطرق تعددت أساليبها، وتوحدت أهدافهم، بين الإقامة المؤقتة والهجرة السرية. لكن لظروف مختلفة أصبح بعضهم بمحض اختيار أو اضطرار مشردا في أحياء مدينة العيون، بينما حالف القدر البعض الآخر. حكايات وإن اختلفت طرق سردها، فإنها توحدت في عكس معاناة شريحة أصبحت تجد لنفسها موطنا ثانيا في مدينة العيون.
مهاجرون مع وقف التنفيذ
“كاميليا” إحدى السينيغاليات اللائي شاءت رياح الأقدار أن تعصف بها بعيدا عن وطنها لتعيش قصة معاناة بداية قدومها إلى الصحراء، بعد أن ضاقت الجوع والعطش بالسينغال.
تحكي السيدة “كاميليا” ذات الخمسين ربيعا قصتها التراجيدية التي انتهت مأساتها بالعيون، بعد أن باتت في العراء لأيام عدة، لتحترف بيع القماش أو ما يعرف بالزي الافريقي الذي أصبح يجد لنفسه مكانا بين الأزياء الصحراوية. فرغم أن “كاميليا” عانت الكثير بعيدا عن الأهل والأقارب، إلا أنها تبدو الآن كسائحة افريقية، أنيقة الشكل لتعكس بذلك صورة جيدة عن المهاجرين الأفارقة، كما تقول، وتستطرد… ” رغم أني تجرعت قسوة ومرارة الفقر في البداية، إلا أني أحاول دائما –بعد أن فرج الله همي- مساعدة الآخرين”.
تنتقل “كاميليا” من منطقة إلى أخرى حسب طلبات الزبائن، توزع القماش بغالبية المدن الصحراوية رفقة أصدقاء لها، لكن تبقى مدينة العيون هي المركز الأساسي ومحل الإقامة.
فرغم أن الأمور تبدو ميسرة لها إلا أن الأمر يختلف تماما عند “مختار” المسلم والمالي الجنسية، حيث ينعكس ذلك جليا على جسمه النحيف، فبعد أن قطع رحلة شاقة عبر طريق محفوفة بالمخاطر من موطنه بتخوم جنوب الصحراء إلى مدينة العيون ضمن مجموعة من المهاجرين السريين الأفارقة، تارة مشيا على الأقدام وتارة على متن ناقلات متواضعة بعد أسابيع رهيبة جسديا ونفسيا، يشتغل “مختار” كنادل في إحدى مقاهي المدينة، لا تفارقه ابتسامة بريئة لزبائنه حتى لو كان مزاجه معكرا، لأن الزبون لا دخل له في مشاكله الخاصة يقول.
يتحدث بلغة تختلط فيها الفرنسية باللهجة الأفريقية المالية وكلمات قليلة بالعربية، إنسان ذو روح مرحة الشيء الذي جعل منه محبوبا لدى معظم الزبائن. يقول “عثمان” -وهو رب عمل “مختار”- “إن تفانيه وجديته في العمل جعلت منه شخصا مفضلا لدى الزبائن.”
فبالرغم من أنه ضحية لشبكة ناشطة في مجال الهجرة السرية، إلا أن ذلك لم يزده إلا إصرارا على تحدي الواقع، محاولا بذلك إيجاد لقمة العيش بطرق شرعية، عكس آخرين ينهجون أساليب السلب والنهب وتجارة المخدرات، والذين غالبا ما ينتهي بهم الأمر خلف قضبان السجون.
تسول، ومتاجرة على الطريقة الإفريقية
“مامادو” وهو اسم مستعار لمهاجر مالي أيضا فضل عدم ذكر اسمه الحقيقي- الذي وجد نفسه متسولا في شوارع العيون بعد أن كان تاجرا بسيطا بمالي ،على الأقل يملك مصروفه المعيشي اليومي.
“فبعد معاناة تجاوزت العام هنا بمدينة العيون لا أملك حتى مصروف اكتراء الفندق الذي أقطن به بشارع بوكراع، اللهم بعض الصدقات التي أتلقاها من المارة، هكذا وجدت نفسي متسولا.. فأنا أفضل التسول على النصب والاحتيال..” ويستطرد: “حقيقة إن الإنسان الصحراوي كريم بطبعه، فساكنة العيون لا يحسسوننا أبدا أنه غير مرغوب فينا.”
كل هذا و”مامادو” يحاول جاهدا أن يوصل كلامه بلغة عربية متقطعة ومبعثرة، لقد أصبح يتقن بعضا من مفرداتها نتيجة احتكاكه بالمجتمع، تختلط الكلمات، غير أنها تتوحد و تتضح في مصطلحات لطالما استعملها المتسولون، “صدقة على مولانا”.
هكذا إذن تبدو حياة مهاجري بلدان إفريقيا جنوب الصحراء ببعض الأقاليم الصحراوية، بين من عانوا الكثير –ولا زالوا- وبين أشخاص آخرين فتحت أمامهم أبواب النجاة لتنقلب حياتهم رأسا على عقب “كهندو” مثلا التي تقطن بمدينة العيون زهاء العشر سنوات رفقة أسرتها المكونة من الزوج و ثلاثة أبناء.
تقول “هندو” أنها تعيش حياة اجتماعية مستقرة حيث تتاجر وزوجها في الحلي، بل و أصبحت تبيع وتشتري مع كبار التجار بالمنطقة، تتحدث بلهجة حسانية متلعثمة، تقول ان أهلها يستقرون بموريتانيا إلا أن أصلها الحقيقي من نيجيريا، فنتيجة لكثرة الأوبئة والمجاعة نزحت عائلتها من هناك بحثا عن الاستقرار والعيش الكريم.
فضلت “هندو” الاستقرار بمدينة العيون عن غيرها نظرا لموقعها الاستراتيجي والقدرة الشرائية التي يتمتع بها ساكنتها.
“فالمجتمع الصحراوي يعشق التزين والتنوع، وهم يقبلون بكثرة على اقتناء حاجياتنا”، تستطرد “هندو”. إلا أن هذا لا يمنع من وجود عدة مشاكل يعانيها بعض الأفارقة بالأقاليم الصحراوية.
الوقوع في فخ المخدرات

حالة أخرى يحكيها “موسى” الغاني الأصل عن أحد أصدقائه، الذي خاض بدوره مع مجموعة من المهاجرين السريين الأفارقة رحلة رهيبة –كما يصفها- من أجل البحث عن آفاق أفضل في الضفة الأروبية. فكان دخول صديقه إلى المغرب كمحطة مؤقتة بمثابة نقلة جذرية في حياته – كما وصفها له- اضطر أن يسلك طريق الاتجار في المخدرات التي ذاق فيها لمدة قصيرة حلاوة المال، ليصل في آخر المطاف إلى نقطة المصير المرير بعد وقوعه في قبضة الأمن.
هكذا حال هؤلاء، معاناة.. حسرة..وأسى على مستقبل مجهول كما يحلو لبعضعم أن يصفه. تراهم يجوبون الأزقة والشوارع في البرد والحر، يبحثون عن وطن يأويهم، عن طرف خبز يسدون به رمق جوعهم، أو حتى ورقة هوية أو إقامة تحميهم.

 





أضف تعليقك على المقال
*المرجو ملئ جميع الخانات و الحقول الإلزامية المشار إليها بـ

* الإسم
* عنوان التعليق
* الدولة
* التعليق




أقرأ أيضا
“لاساركَا .. مشاهدُ بؤسٍ وحكايات عنْ “ريع البحر”
أخيرا .. هذه هي أسباب جُنوح ناقلة النفط "سيلفر"
مصرع مواطنين فرنسيين وإصابة مواطن مغربي بجروح بليغة في حادثة سير جنوب كلميم
هذه هي الحاجيات المتوقعة لإقليم كلميم من الماء الصالح للشرب أفق 2030
رأس السنة بالعيون : جريمة .. تمرد .. وخروج عن المألوف
التغيرات المناخية بالمنطقة .. اليقظة الدائمة السبيل الأمثل لمواجهة الكوارث الطبيعية الخطيرة
التنسيقية المحلية للأطر العليا الصحراوية المعطلة تدين وبشدة تعرض مناضلاتها لتدخل بوليسي عنيف وهذا نص البيان
خطير : "إختفاء" أزيد من 33 مليار سنتيم من الضريبة على دخل مستخدمي شركة فوسبوكراع بالعيون
هذا هو من إرتدى الدراعة أثناء حضوره حفل عزاء شارلي إيبدو
حذاري: أرقام غريبة تطلب الإضافة في الواتساب لسرقة الأرقام والصور والفيديوهات‎