الصحراء زووم : الشباب الإعلامي المستقل
في سابقة مؤسفة تنم عن انحراف خطير في النقاش العمومي، تحولت ندوة نظمتها إحدى المؤسسات الفكرية بعنوان "رهانات الحكم الذاتي بالصحراء المغربية" إلى منصة لتوجيه اتهامات مجانية ومغرضة ضد واحدة من أعرق العائلات الوطنية في الأقاليم الجنوبية: عائلة أهل الرشيد.
فما صدر عن بعض المتدخلين في هذه الندوة لا يرقى إلى مستوى النقاش الفكري المسؤول، بل يعكس انزلاقا نحو خطاب يفتقر إلى الموضوعية ويخدم أجندات شخصية مفضوحة، هدفها التشويش على المسار الديمقراطي ونسف رمزية العائلات الوطنية التي كرست حياتها لخدمة الوطن والدفاع عن وحدته الترابية.
إن عائلة أهل الرشيد، لم تأت من فراغ، بل من تاريخ حافل بالنضال والعمل الميداني، كانت وستظل شوكة في حلق كل من يريد تهميش الأقاليم الجنوبية أو تقزيم تمثيليتها الشرعية، ومن يريد فعلا الدفاع عن الديمقراطية، فليبدأ باحترام نتائجها ومخرجاتها، بدل الطعن في من اختارهم المواطنون عبر آليات حضارية وشفافة.
كما أن عائلة أهل الرشيد ليست بحاجة إلى شهادة من أحد، فشهادتها الحقيقية جاءت من صناديق الاقتراع، ومن ثقة ساكنة الأقاليم الجنوبية، التي منحتهم عبر استحقاقات متتالية ثقتها لتدبير الشأن العام، إيماننا بكفاءتهم ووطنيتهم الصادقة، فمنذ عقود، اختارت هذه العائلة الوطنية بامتياز سلوك طريق الديمقراطية والمؤسسات، فترشحت، وخاضت الانتخابات، وحازت ثقة المواطنين في جو من النزاهة والشفافية، لم تلجأ إلى الشعارات الجوفاء، ولا إلى دغدغة العواطف، بل بنت شرعيتها على الفعل الملموس والارتباط الحقيقي بهموم الساكنة ومن العيب والعار أن يحاول البعض اليوم الطعن في هذه الشرعية التي لا يملكها إلا من اختاره الناس عن قناعة ورضا.
الهجوم على عائلة أهل الرشيد ليس إلا ترجمة لفشل البعض في فرض أنفسهم في المشهد السياسي عبر الوسائل الديمقراطية، ولأنهم عاجزون عن تحقيق حضور فعلي في الميدان، اتخذوا من التشويش والتشويه أسلوبا بائسا، علهم يحققون ما عجزوا عنه بالصندوق من خلال الميكروفون.
إننا لا ندافع فقط عن عائلة وطنية، بل عن حق المواطنين في أن يختاروا ممثليهم بحرية، دون وصاية أو تحقير من أي جهة، فكل طعن في ممثل شرعي اختاره الشعب، هو طعن في إرادة المواطنين أنفسهم، واستخفاف بخيارهم الديمقراطي.
وما يجب أن يقال بصوت عال: إن الوطنية ليست ترفا فكريا أو موروثا أيديولوجيا، بل هي التزام يومي بالفعل والعمل والتضحية ومن مارس الوطنية على الأرض، ووقف في وجه الانفصال، وكرس حياته لخدمة الوطن، لا ينتظر منه دروس في الانتماء من أشخاص لا يتقنون سوى الكلام.
والغريب في الأمر أن من يتشدقون بالديمقراطية وحقوق الإنسان، لا يتورعون عن خرق كل قواعد الحوار الحضاري، بل ويتحولون إلى موزعي اتهامات دون دليل أو سند، في تناقض سافر مع ما يروجون له ظاهريا.
ومن المؤسف أن هذه الندوة لم تقتصر على اتهام رموز وطنية، بل شهدت أيضا ترويجا لمغالطات تاريخية خطيرة تمس في الثوابت الوطنية، وتهدد بتقويض الجهود التي بذلها المغرب في قضية الصحراء المغربية.
لقد تم تداول تصريحات زائفة ومضللة حول تاريخ الأقاليم الجنوبية، بما في ذلك محاولة التعتيم على الحقائق المتعلقة بالمسار التاريخي للوحدة الترابية للمملكة، مثل هذه المغالطات تتجاوز حدود النقاش السياسي وتندرج ضمن محاولات لاستخدام التاريخ لخدمة أجندات مشبوهة، تهدف إلى تقويض الموقف الثابت للمملكة في الدفاع عن مغربية الصحراء.
ما تم تداوله في هذه الندوة من أكاذيب حول تاريخ الصحراء المغربية لا يمكن أن يمر مرور الكرام، فكل محاولة لتشويه الحقيقة التاريخية حول ارتباط الأقاليم الجنوبية بالمملكة يشكل مسا مباشرا بسيادة الدولة، كما المغالطات التي تم ترويجها لا تمس فقط بأفراد أو عائلات وطنية متجذرة، بل قد تضر بشكل مباشر بمصداقية الحق المغربي في الصحراء، وهو الحق الذي لا يمكن أن يكون محل مساومة أو تخوين.
ومن شأن هذا النوع من الخطاب أن يساهم في تشويش الوعي العام الوطني والمحلي ويخدم أهداف من يسعى لزعزعة استقرار المنطقة، بل ويعتبر تجاوزا غير مقبول لخطوط حمراء لا يمكن لأي كان التلاعب بها، مثل هذه التصريحات غير المسؤولة يجب أن تفضح وتكذب على الفور، لأن السكوت عنها يعني القبول بالتحريف المتعمد للتاريخ الوطني.
هذه المؤسسة الفكرية، مطالبة اليوم بوضع حد لهذا الانحراف الذي تم داخل نشاط يحمل اسمها، لأنها إن لم تفعل، فإنها تهدد بفقدان ما تبقى من مصداقيتها لدى الرأي العام، لا يسمح المسؤولون عن هذه باستغلال اسمها في تصفية حسابات لا علاقة لها لا بالقضية الوطنية ولا بالديمقراطية.
ومن يحاول اليوم تشويه رموز وطنية بصمتها واضحة في مسار بناء الدولة الحديثة، إنما يكشف عن أزمة عميقة في التصور والفهم، وأزمة أكبر في القبول بنتائج الديمقراطية، فمن لم يستوعب بعد أن الشرعية تبنى بالثقة الشعبية، لا بالتنظير ولا بالصراخ في الندوات، فمكانه الطبيعي ليس في النقاش السياسي، بل في هامش التاريخ.
رغم كل ما قيل، فإننا نؤمن بأن الوطن يتسع للجميع، وبأن الاختلاف في الرأي يجب أن يكون مصدر قوة لا وسيلة للتهجم، لكن الحوار الحقيقي لا يمكن أن يبنى على المغالطات وتشويه الرموز، بل على الاحترام المتبادل، والاعتراف بأدوار كل المكونات الوطنية، وفي مقدمتها من نالوا ثقة الشعب عبر صناديق الاقتراع.