الصحراء زووم : اسماعيل الباردي
في خطوة تعكس توجها جديدا في السياسة الخارجية السورية بعد سقوط نظام بشار الأسد، دعت أوساط سياسية في سوريا، الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، إلى الاعتراف الرسمي بسيادة المملكة المغربية الكاملة على أقاليمها الجنوبية، واتخاذ إجراءات عملية لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، بما في ذلك افتتاح مكتب قنصلي سوري في مدينة العيون، كبرى مدن الأقاليم الجنوبية للمملكة.
ودعا رئيس جبهة الإنقاذ الوطني في سوريا فهد المصري، الحكومة السورية الجديدة إلى دعم السيادة المغربية على الصحراء، مؤكدا بأن النظام السوري السابق ألحق ضررا بالغا بالعلاقات التاريخية العميقة بين المغرب وسوريا، حيث أقام علاقات مع جبهة البوليساريو منذ سبعينيات القرن الماضي، ووطدها بشكل أكبر خلال الثمانينيات، وأضاف السياسي السوري، أن هذا التوجه كان يعكس سياسة عدائية تجاه المملكة المغربية، حيث تبنى نظام الأسد مواقف الجزائر الداعمة لجبهة البوليساريو، ما أدى إلى توتر دائم في العلاقات المغربية السورية.
ويرى مراقبون أن "سوريا الجديدة" ستعمل على إعادة صياغة سياستها الخارجية، بما في ذلك مراجعة مواقفها السابقة من بعض القضايا الإقليمية، خاصة ملف النزاع الإقليمي حول الصحراء. فبينما كان النظام السوري السابق متماشيا مع السياسة الجزائرية في هذا الشأن، يبرز اليوم توجه جديد من قبل حكام سوريا الجدد، الذين سيسعون إلى تصحيح مسار العلاقات الخارجية لسوريا بما يخدم المصالح الوطنية السورية وتصحيح علاقات دمشق مع الدول العربية، وفك الارتباط بالمحور الإيراني.
وقد سبق لنظام الأسد أن اعترف رسميا بجبهة البوليساريو، وفتح لها مكتبا في دمشق، ما ساهم في تعميق التوتر مع الرباط، فيما ظل الموقف المغربي منذ تفجر الثورة السورية ضد الأسد سنة 2011 داعما لتطلعات الشعب السوري نحو الحرية والديمقراطية، واحتضنت المملكة في 2012 مؤتمر "أصدقاء الشعب السوري" الدولي في مراكش، الذي اعترف بائتلاف المعارضة السورية كممثل شرعي للشعب السوري.
وفي مبادرة إنسانية غير مسبوقة، قام العاهل المغربي الملك محمد السادس سنة 2012 بزيارة مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن، ليصبح بذلك أول زعيم عربي يزور اللاجئين السوريين على أرض الواقع، كما استقبلت المملكة عشرات الالاف من اللاجئين السوريين الفارين من جحيم الحرب في سوريا، ووفرت لهم تسهيلات في الإقامة والعمل والتعليم، ما جعلها تحظى بتقدير كبير من قبل المعارضة السورية والشعب السوري بشكل عام.
وعلى النقيض من الموقف المغربي، تمسكت الجزائر بدعمها لنظام بشار الأسد حتى آخر لحظة، فقبل أيام قليلة من سقوط هذا النظام، أجرى وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف اتصالا هاتفيا بوزير خارجية النظام السوري السابق بسام صباغ، أكد خلاله تضامن الجزائر مع النظام السوري في مواجهة ما أسماه بـ"التهديدات الإرهابية"، وذلك في إشارة إلى تقدم قوات المعارضة السورية نحو العاصمة دمشق، كما أن الجزائر لم تجري أي اتصال حتى اللحظة بالقيادة السورية الجديدة.
ومع سقوط نظام الأسد وبروز حكومة انتقالية جديدة بقيادة أحمد الشرع، تبدو العلاقات المغربية السورية مرشحة لتحولات كبيرة، إذ تسعى المعارضة السورية إلى إصلاح علاقات سوريا الخارجية، وفتح صفحة جديدة مع الدول العربية التي دعمت الثورة السورية، وعلى رأسها المملكة المغربية.
ويرى محللون أن هذه التطورات قد تؤدي إلى تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين، وفتح آفاق جديدة للتعاون، خاصة بعد رسالة التهنئة التي بعثها الملك محمد السادس إلى الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، والتي حملت تأكيدا على دعم الرباط الكامل لسوريا الجديدة وحدتها الترابية وسيادتها الوطنية، ولتطلعات شعبها للحرية والطمأنينة والاستقرار.
ختاما يمكن القول بأن الدعوات المتزايدة من داخل سوريا للقطع مع السياسات القديمة للنظام السوري، التي كانت منحازة للجزائر والبوليساريو والتي أثرت سلبا على العلاقات بين الرباط ودمشق، تمهد الطريق أمام تحول جديد في الموقف السوري، هذا التوجه يعكس رغبة دمشق في إعادة تموضعها الدبلوماسي ضمن الفضاء العربي، والانفتاح على شراكات جديدة مع الدول العربية وعلى رأسها المغرب، وهو ما سيفتح الطريق نحو اعتراف الحكومة السورية بالسيادة المغربية على الصحراء، وفتح قنصلية في الأقاليم الجنوبية للمملكة، وانخراطها في الدينامية العربية والدولية الداعمة لمقترح الحكم الذاتي، وتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي بين البلدين في مرحلة ما بعد الأزمة السورية..
