الصحراء زووم _ الندوة الملغومة ... بين إقصاء النخب الصحراوية واستدعاء الهواة وشذاذ الآفاق

 


أضيف في 9 أبريل 2025 الساعة 23:46


الندوة الملغومة ... بين إقصاء النخب الصحراوية واستدعاء الهواة وشذاذ الآفاق


الصحراء زووم: بقلم عبد القادر داود

 


حملت الندوة المنظمة من طرف إحدى المؤسسات الفكرية حول موضوع "رهانات الحكم الذاتي بالصحراء المغربية"، تمرير عدد من المغالطات بشأن نزاع الصحراء، مسهمة في تكريس تغييب النخب الصحراوية صاحبة الكلمة، والمطلعة على حيثيات الملف وسياقاته التاريخية والسياسية، وجذور نشأته ودوائر الصراع الإقليمية والدولية المرتبطة به، حيث طغى على الندوة منطق تسفيه الملف ومعالجته بشكل سطحي، كاشفة عن عجز بعض المتدخلين في الغوص بتعقيداته ومناقشة تشعباته المعقدة بشكل عميق، حيث غلب التشخيص وسرد الحكايات على حساب طرح البدائل، ومناقشة الحلول الممكنة لإنهاء هذا النزاع، الذي يدفع الإنسان الصحراوي وحده ضريبته بعدا وألما وشتاتا وتفككا للعلاقات الاجتماعية والأرحام.

لقد تعمد ضيف الندوة تحميل الدولة المغربية مسؤولية ووزر إطالة أمد النزاع، موزعا صكوك الغفران على الجزائر و البوليساريو، عبر تشكيكه في أهم المرتكزات الدستورية التي بني عليها دستور 2011، وهو الإختيار الديمقراطي للمملكة المغربية، وزرع الشك والريبة في العملية الانتخابية ونتائجها، خصوصا في الأقاليم الجنوبية، في تناقض صارخ مع قرارات مجلس الأمن التي أشادت أكثر من مرة بمشاركة ساكنة الصحراء واختيارهم الحر لممثليهم في المجالس المنتخبة، هذا دون أن نغفل الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة في إشراك العنصر الصحراوي في تدبير شؤونهم السياسية والمحلية، ضمن استراتيجية لا يختلف اثنان على أنها مكنت النخب الصحراوية من تطوير قدراتها وملكاتها التدبيرية لتهيئة الأرضية المناسبة لإنجاح تنزيل ورش الحكم الذاتي.

ومن المثير للإنتباه أن بعض المشاركين في الندوة، يواجهون تهما جنائية ثقيلة لا زالت رائجة أمام القضاء، والأسوء أن المتحدث الذي هيمن على الندوة وهو عضو المجلس الملكي الإستشاري للشؤون الصحراوية، كان يجثو على الركب لرئيس المجلس من أجل حل مشاكله الشخصية بالمنظومة التعليمية، وهو الذي لم يقدم طيلة أشغال الندوة أي فكرة أو معلومة ذات قيمة مضافة، بل اعترف صراحة وبعظمة لسانه، بأن أجهزة الدولة سبق أن اتهمته بالعمالة للبوليساريو، وهو نفسه من شكك في  نزاهة عملية توزيع المساعدات الغذائية على سكان مخيمات الوحدة بالأقاليم الجنوبية، مقدما أرقاما مغلوطة يروم من خلالها وبشكل تدليسي تضيق عيش فئة إجتماعية بالمنطقة .


إن ضيف الندوة والذي يصوّر نفسه كخبير وباحث لا يشق له غبار في النزاع، فضح جهله المركب بأبجديات الملف، وانساق - بقصد أو بدونه - مع الأطروحة الجزائرية، محملا المغرب وحده مسؤولية إطالة أمد النزاع، تارة بتسفيه السياسات العمومية المرتبطة بتدبير ملف الصحراء، وتارة بالتشكيك في الخيار الديمقراطي، وفي العملية الانتخابية، وأخرى بإلقاء اللوم على النخب السياسية الصحراوية، وهو الذي يقدم نفسه كفاعل حقوقي، لا يوجد له أثر لا في العملية السياسية بالمنطقة على الأرض، وبعيد كل البعد عن فهم خصوصياتها وتركيبته المعقدة، وهو الذي جعل من الملف مطية للتهرب من مسؤوليته المهنية في تعليم تلاميذ و تلميذات الصحراء باعتبار أن مهنته كمعلم تحتم عليه التواجد بحجرات الدراسة وليس بمناظرات جوفاء، وممارسة الترف الفكري الذي أخفق هو الآخر في كسب رهانه.

عبد المجيد بلغزال الذي فوت على نفسه التعبير ولو بكلمة عن تضامنه مع الإهانة التي تعرضت لها قبيلة الشرفاء الركيبات، من خلال الفيلم الوثائقي الذي جرى عرضه بمدينة العيون، اختار التماهي مع مضمونه بطريقة أو بأخرى، من خلال تصويره أن التطاول على نسب أهم مكون قبلي صحراوي بضفتي النزاع، ليس سوى مطية سياسية لتأليب الشارع والرأي العام على الدولة، وهو تفسير لا ندري من أي أودية الجحيم قد أتى به؟ في حين أن ردود الفعل كانت طبيعية وعفوية ومسؤولة من أحفاد الولي الصالح الشيخ سيدي أحمد الركيبي، الذين عبّروا عن رفضهم للإهانة بشكل حضاري وتضامنت معهم كل القبائل الصحرواية، وهو ما تجاوبت معه أيضا الدولة بإيجابية، من خلال رد الاعتبار لهم من الباب الواسع ودون أي مركب نقص، خلافا لما ذهب إليه المتحدث الذي اعتبرها ابتزازا أو تأليبا ضد الدولة.

أما الزج بعائلة أهل الرشيد في سياق الندوة، فهو أمر يستوجب التوضيح، فهذه العائلة المنتسبة لأديم هذه الأرض والمتجذرة بها تجذر الطلح بفيافي الصحراء، أكبر بكثير من أن ينال من تاريخها وحضورها القوي بالمشهد السياسي هذه الترهات وهذه الأراجيف التي ما أنزل الله بها من السلطان، وهي التي تجني اليوم وبكل إقتدار وحس وطني ثمار خياراتها السياسية.

لقد راهنت عائلة أهل الرشيد ومنذ بداية النزاع على الدولة المغربية، وكانت من أول من بايع الملك الراحل الحسن الثاني، رافضة الانفصال قولا وفعلا، واضعة بيضها وخياراتها بجبة مؤسسة إمارة المؤمنين، وقد وصلت إلى مكانتها السياسية بفضل الانتخابات وليس عبر الريع أو التعيينات، وظلت تدافع باستماتة عن مغربية الصحراء في وقت كان فيه مجرد معارضة تيار الانفصال مغامرة قد تجر على صاحبها مخاطر وعواقب لا حصر لها، ليأتي اليوم وبعد عقود من الزمن من يحاول التشكيك في وطنيتها في محاولة بئيسة للبحث عن موطئ قدم في ملف لا يزال نازفا.

كما أن القول أن عائلة واحدة هي من استقبلت رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرارد لارشيه عند زيارته لمدينة العيون، هي فرية أبريل الكبرى، فالرجل استقبله بخيمة مترامية الأطراف أكثر من 1000 شخص يمثلون السلطة المحلية وأعيان ومنتخبي المنطقة بمختلف إنتماءاتهم القبلية والسياسية، وكل لعب دوره من موقعه في إنجاح الزيارة التاريخية التي كان من باب أولى مناقشة مكاسبها السياسية الإستثنائية، بدل تسفيه الحدث وتحوير النقاش، لأن المعلم الغائب عن فصله الدراسي لم يكن جزء من الحضور؟!!

لقد كشفت تدخلات بعض المشاركين وفي مقدمتهم المعلم والمنتج السينمائي الشبح ( العاطل عن العمل ) بالندوة، أن البعض لا يزال يغرد خارج السرب، بعيدا عن فهم حقيقي لمفاتيح النزاع وسُبُل حله، بل يسعى إلى تحويله من قضية إقليمية إلى أزمة داخلية، بما يخدم أجندات مشبوهة لا علاقة لها بمصلحة الوطن أو الصحراويين.

خلاصة القول أن لا المعلم ولا المنتج الشبح معنيان بحاضر ملف الصحراء، ولا موطئ قدم لهما بمستقبله سواء عند تنزيل الحكم الذاتي أو قبله، وأن لا محل لهما من الإعراب بالملف، ومهما علا صراخهما لن يكون لهما دور لا اليوم ولا غدا بشؤون المنطقة، وأن من يتمحور حوله النزاع ومن لهم الكلمة والقول الفصل هم أهل الأرض، الذين يؤول لهم الأمر كله من مبتداه إلى منتهاه .

إن محاولة تصوير عائلة أهل الرشيد كجزء من المشكل وليس الحل، هي فكرة ساذجة وفاشلة، ولن تنطلي على أحد، فالمملكة المغربية هي دولة مؤسسات وتملك الخبرات والكفاءات للتمييز بين الغث والسمين، ولا يوجد كائن من كان قل شأنه أو علا، أن يمارس الأستاذية أو التوجيه عليها،  وهي التي تعرف جيدا الشخصيات الوطنية التي يمكن المراهنة عليها، ومن ينبغي أن يوضع في واجهة الصورة، ومن مكانه على الرف او بالهامش، وهي الأدرى بكيفية إدارة وتدبير هذا الملف الشائك، كما تعي جيدا مدخلات وتراكمات الملف وأطرافه الظاهرة والمستترة.




أضف تعليقك على المقال
*المرجو ملئ جميع الخانات و الحقول الإلزامية المشار إليها بـ

* الإسم
* عنوان التعليق
* الدولة
* التعليق




أقرأ أيضا
افتتاح أكبر مسجد بالصحراء في السمارة
هام : هذه هي تواريخ إيداع ملفات الترشيح لإمتحانات الباكالوريا أحرار
إرتباك في حزب الإتحاد الدستوري بعد إنضمام العشرات من مناضليه لحزب الإستقلال بالعيون
الصحراء زووم تعزي قبيلة الشرفاء الرگيبات في وفاة المرحوم الشريف عبداتي ولد ميارة
بلدية المرسى وبلدية "ميري" يوقعان إتفاقية توأمة وتعاون
بعد تقاعس وكالة الحوض المائي ومندوبية الفلاحة بلدية العيون تتدخل لإنقاذ الساكنة من الناموس
إستثمارات تقدر بثمانية ملايين درهم لحماية مدينة كلميم من الفيضانات
مدينة أسا تحتضن الملتقى الجهوي حول الواحات نهاية الاسبوع الحالي
التصوف السني ودوره في تحصين الأمة موضوع ندوة علمية بالعيون
انطلاق عملية تسجيل الحجاج الذين تم اختيارهم عن طريق القرعة ابتداء من خامس يناير المقبل