الصحراء زووم _ شمكارة ... ولكن

 


أضيف في 12 دجنبر 2014 الساعة 00:21


شمكارة ... ولكن


“أخوي الله يعفو عليك شي كارو ولادريهم باش نشري خبيزة”عبارات أصبحت معتادة لدى مرتادي المقاهي بمدينة العيون، من طرف بعض المشردين الذين يجوبون أحياء المدينة، ويرتادون المقاهي، متوسلين زبناءها، لعل أحدهم ينفحهم دريهمات، كل يستعملها على طريقته. فمنهم من يقتني بها ما يسد جوعه، بينما آخرون يفضلون شراء “السيلسيون” أو “الدوليو”.
“أستعمل المخدرات من أجل نسيان أو تناسي المشاكل التي دفعتني لترك المنزل والخروج إلى الشارع” يقول أحد المشردين وعلامات الحزن تعلو محياه الذي غيرت ملامحه تأثيرات ما يتعاطاه من مُغيبات الوعي، قبل أن يستل من جيبه “شيفون” تزكم رائحته الأنوف، ويضعه على أنفه، قبل أن يستطرد قائلا بعد سِؤالنا له عن المشاكل التي دفعته إلى الخروج للشارع، وأسباب عدم توجهه إلى إحدى الجمعيات بالمدينة، التي تعنى بالمشردين: “مشاكل”.. هكذا كان رده، في كلمة واحدة لخص الجواب، أو إن صح التعبير لخص معاناته، والدمع ينهمر على خديه اللذين علاهما الغبار والأوساخ، لكنها لم تستطع شطب وسامة تعامل معها شظف العيش بقسوة، وملامح وجه مستدير كأنه يخفي عمره الحقيقي.
إنهم مشردون دفعتهم الحياة إلى الارتماء في حضن الشارع عوض حضن ودفء العائلة.. لكل مشرد قصة، ولكل منهم مسوغاته ومبرراته، لماذا ترك البيت؟ ما السبب الذي دفعه إلى ذلك ؟ كيف يتعامل مع قساوة الحياة في الشارع؟ أين يقضي ليلته؟ أسئلة كثيرة تحاول ن تجد لها إجابة في قرارة نفسك وأنت تقف أمام متشرد أو تصادفه في الشارع، لكن الأسباب الحقيقة التي تدفع الإنسان إلى أن يتحول إلى متشرد، حسب أطباء علم النفس والمختصين، هي العوز، والأمراض العقلية، والمخدرات، والكحول، والاتكال على الغير، والتفكك الأسري..
“المشاكل العائلية وسن المراهقة من بين أهم الأسباب الرئيسية التي تدفع أطفالا وشبابا في مقتبل العمر إلى التشرد”.. تقول نعيمة في عقدها الثاني، معلمة وأم لطفلة. تقول ذلك وهي منهمكة في إعطاء بعض الطعام لأحد المتشردين، وعلامة الاستياء بادية على محياها، قبل أن تضيف: “نعيش داخل مجتمع لا يرحم المشرد، هناك من يعاملهم معاملة سيئة، وهناك من ينعتهم بأقبح الأوصاف، بل إن الأمر يتعدى السب والقذف، ويصل أحيانا إلى الضرب والاعتداء الجسدي، لاسيما على القاصرين منهم، دون أن يراعوا المشاكل والظروف التي دفعت هذه الفئة من المجتمع إلى الخروج إلى الشارع”.
الساعة تشير إلى تمام الواحدة ليلا بمدينة العيون، درجة الحرارة جد منخفضة، تدفع الكل إلى البقاء داخل المنزل، هربا من حدة البرد التي تعرفها المدينة.. الحركة شبه منعدمة بالشوارع، وضع لا تغيره سوى بعض سيارات الاجرة التي تشتغل حسب المداومة، وبعض الراجلين الذين يسارعون الزمن بخطى متسارعة، ربما قصد الاختباء من شدة البرد والاحتماء منه بأسرة دافئة ومريحة. بالمقابل، وبأحد شوارع المدينة المجاورة لساحة الدشيرة، التي أصبحت مرتعا وملاذا للعديد من المشردين ليلا، مشردون يفترشون أرضية إسمنتية صلبة، ويلتحفون السماء، بأجسام نحيفة ترتعش من شدة البرد.. المار من هذا الشارع ليلا يستوقفه منظر ذلك “التلاحم والتضامن” بين المشردين.. إنها لُحمة افتقدوها داخل أسرهم.
” لقد أصبح الشارع قبلة للمشردين والمنحرفين، مما أثر على جماليته”، يقول عبد الوهاب أحد سكان هذا الشارع، قبل أن يضيف: “كما زرع الرعب في نفوس آباء وأمهات أطفال هذا الحي، الذين يخافون على فلذات أكبادهم من تصرفات هؤلاء المشردين.”
ارتباطا بهذه الظاهرة، عرفت مدينة العيون في العشرية الأخيرة ظهور عدة جمعيات تهتم بالمتشردين، لكنها ورغم كل المجهودات التي تبذلها، لم تستطع القضاء على هذه الظاهرة، رغم أنها ساهمت في الحد من عدد المتشردين بالمدينة. “هناك عدة جمعيات بالمدينة تعنى بالمشردين” يقول عادل، مستخدم بإحدى الشركات، “وتقوم بدوريات شبه يومية من أجل مساعدة هؤلاء الأشخاص، كما تسعى جاهدة للقضاء على هذه الظاهرة بالمدينة، لكن المتشردين لايبدون أي تجاوب مع هذه الجمعيات، ويرون أنها تحد من حرياتهم”.
علي.. شاب في عقده الثاني قادته ظروف المعيشة الصعبة إلى مدينة العيون من أجل تحقيق حلمه في البلوغ إلى الضفة الأخرى، بعدما كان قد نجح في تجربة سابقة قبل سنتين، حيث لم يدم بقائه بالأراضي الإسبانية طويلا، بعد أن أوقفته الشرطة الإسبانية ورحلته إلى المغرب، لكنه لم يكن يدري بأن رحلته إلى مدينة العيون ستزج به في عالم المتشردين، يتكلم الإسبانية، ويفرح عندما يجد شخصا يبادله أطراف الحديث بلغة الجارة الشمالية اسبانية، « como estas »،
كلمة حياني بها عند بداية حديثنا معه، وهي كلمة اسبانية وتعني كيف حالك”.
ملابس رثة، أسنان تصطك من شدة البرد، رائحة نتنة تفوح من جسمه، عينين يوحيان لك بأنهما لازال فيهما بصيص من الأمل في معانقة القارة العجوز، “غادي نمشي لاسبانيا، نخدم وندير طومبيل ودراري” يقول علي وهو يدخن بقايا أعقاب إحدى السجائر المرمية على الرصيف، قبل أن يصمت لبرهة، أعقبها تنهيدة قصيرة توحي لك ربما على ندمه الشديد على ما ال اليه حلمه، قبل أن يبدء في سرد قصته وكيف أوصلته الأقدار إلى مدينة العيون، لكن نقطة التحول في حديثنا معه هي عندما قال ” أتمنى من حكومة بنكيران، أن تهتم بالمشردين، وأن توفر مناصب شغل للعاطلين عن العمل، لكي لا يكون مصيرهم الشارع ” المستمع لهذا الكلام يقف مشدوها أو بالأحرى يصعق أمام كلمات هذا المتشرد الذي علا وجهه الغبار وتراكمت الأتربة على ملابسه لكنه يعرف رئيس الحكومة الجديد عبد الإله بن كيران، قبل أن نسأله عنكيفية اطلاعه على مثل هذه الأمور خصوصا أنه لايملك لا جهاز تلفاز ولا ثمن شراء جريدة، بدء يسهب في الحديث، تكلم عن دستور فاتح يوليوز، وعن انتخابات 25 نونبر المنصرم التي أوصلت الإسلاميين إلى رئاسة الحكومة ، وعن الربيع العربي، وزين العابدين ومبارك، والقذافي، لكنه ليس على علم بما يجري في سوريا، وكذلك عن الأزمة الإقتصادية التي تعيشها أوربا ، رغم أنه لم يكن يصيب الصحيح في معظم كلامه إلا أنه على الأقل كان على دراية بما يقع من حوله ولو بشكل نسبي .
تركنا “علي” لحال سبيله وهو يضحك ملئ شدقيه لم نعرف سبب هذه الضحكة، ولسان حاله يقول باللغة الاسبانية hasta luego  




أضف تعليقك على المقال
*المرجو ملئ جميع الخانات و الحقول الإلزامية المشار إليها بـ

* الإسم
* عنوان التعليق
* الدولة
* التعليق




أقرأ أيضا
المنظمة الأمريكية "أميدايست" تسوق برنامج "مهارات للنجاح" بالداخلة
إنفراد : بشرى لعمال الإنعاش الوطني ,,, مخطط حكومي لإدماجهم في التغطية الصحية الأساسية
الطاقة الخضراء في صلب نقاشات منتدى "كرانس مونتانا" في مارس المقبل بالداخلة
لا تغيير في حصص عمالات وأقاليم المملكة من الدقيق الوطني من القمح اللين خلال الأسدس الأول من سنة 2015
هذه شروط الحكومة للإستفادة من الدعم المباشر للنساء الأرامل
التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية تجري فحوصات طبية لفائدة ساكنة كليميم وسيدي إفني
بمناسبة العيد إلتفاتة خيرية لصالح أطفال العيون
طريف : فيسبوكيون مغاربة يلخصون أهم أحداث العام المنصرم بطريقتهم الخاصة
بسمة بالداخلة والغاية إجراء عمليات جراحية مجانية لعلاج التشوهات الخلقية بالوجه
بويزكارن إقليم كلميم‎ :إنطلاق حملة طبية متعددة الاختصاصات لفائدة الساكنة