الصحراء زووم _ النظام الأسري في المجال الصحراوي/الحساني

 



أضيف في 29 دجنبر 2014 الساعة 19:55


النظام الأسري في المجال الصحراوي/الحساني


 

 

العالية ماء العينين

 

في البداية لا بد من التأكيد على أن الخصوصية بمفاهيمها الغنية، عصية على الرصد. ويستحيل القبض عليها فهي قابلة دائما للتجزيء والانشطار إلى مستويات عدة . وفي هذا الإطار فان الحديث عن خصوصية صحراوية يتأرجح في عنوان مبدئي وكبير بين الثابت ، الفضاء الصحراوي الصرف الذي تحكمه ظروف وخصائص حياة الرحل ، والمتحول المحكوم بالتطور بفعل الحاجيات المتجددة لأي مجموعة بشرية والتي تحتمها ظروف العيش . وفي مستوى ثاني يفترض أن نتناول هذه الخصوصية الصحراوية في علاقتها مع التراتبية التي ينبني عليها مجتمع "البيظان" ونقصد به الطبقات أو المجموعات البشرية التي تمثل النظام الاجتماعي في مجال الثقافة الحسانية : الزوايا –حسان-اللحمة…
وفي مستوى ثالث، البحث أيضا في خصوصيات القبائل التي تكون كل مجموعة أو طبقة، وهكذا نستمر بالانتقال من العام إلى الخاص إلى الأشد خصوصية..
وبمحاذاة هذه الخطاطة التي حاولنا من خلالها تقديم وصف بسيط لمزالق الحديث عن خصوصية، تبرز على الهوامش اختلافات تتعلق بكيفية نشوء أو تكون هذه المجموعات أو التغيرات التي مستها، وعلاقة التأثير والتأثر والانتقال من وإلى بعضها البعض ، على اعتبار أن هذه المجموعات لم تكن مغلقة تماما مثل النموذج الهندي أو ما يعرف ب "les castes ".
هذا التنبيه أو الاستهلال نعتبره ضرورة منهجية نبتغي من ورائها التأكيد على أننا واعون بهذا المعنى العميق والإشكالي للخصوصية، ولا نتوخى الخروج بنتائج دقيقة، في بحثنا المتواضع وفي هذا المجال الذي يعاني من قلة الأبحاث والدراسات التي يمكن أن تمثل أرضية للبحث في نظام الأسرة في فضاء الثقافة الحسانية.
اعتمادا على ما سبق، نحدد البحث في هذه المداخلة على ما قبل التمدن. يعني في فضاء الصحراء كإطار للعيش وممارسة الوجود و في إطار الأعراف ، مع الإشارة إلى بعض التغييرات الطبيعية التي مست الشكل الاجتماعي والتي حتمتها ظروف التطور والانتقال إلى المدينة، وبالتالي البيت كفضاء أضيق . مع التأكيد على أن الكثير من مناحي العيش والمعاملات لا زالت تشع حياة وأكثر التصاقا بوجدان أبناء الصحراء. كما أننا سنحاول ما أمكن أن يكون الحديث شاملا لمختلف المكونات البشرية مستفيدين في هذا المجال من التراث الشفوي ، والذي نقسمه إلى جانبين :
أولا – المعاش أو اليومي والذي ننتمي إليه وبالتالي يصلنا بوسائط متعددة ولا زال حاضرا في طقوس حياتنا.
ثانيا - الاعتماد على الأمثال والحكم...لأنها تمثل المرآة الحقيقية لحياة القوم وقد استعنا أيضا ببعض الدراسات التي تناولت الموضوع والتي تتأرجح بين الأبحاث المختصة مثل الدراسة الانتروبلوجية التي قامت بها الباحثة الفرنسية Sophie caratini عن قبيلة الرقيبات .أو بعض الدراسات التي تناولت ثقافة الصحراء بشكل عام وعلى رأس القائمة كتاب "الجأش الربيط " للعلامة الشيخ محمد الإمام . الذي تناول الكثير من جوانب الحياة عند أهل المنطقة.
وهناك أيضا مجموعة من الدراسات الجادة للأشقاء في موريتانيا والتي لا تخفى أهميتها على اعتبار وحدة المجال الثقافي والاجتماعي للجنوب المغربي ودولة موريتانيا .
الأسرة هي النواة الأساسية داخل البنية الاجتماعية الصحراوية كغيرها من المناطق الأخرى وعلى مستوى كل المجتمعات الإنسانية. ولكن يبقى لكل نظام اجتماعي خصوصيته التي تتحدد بالإطار العام الذي ينمو داخله . ويبقى العنوان الأكبر الذي يميز هذا النظام موضوع البحث، هو الارتباط العضوي والتام بين الأسرة والقبيلة .وسنلاحظ من خلال ما سيأتي ما يثبت هذا الانصهار الذي يكاد يكون كاملا.
للحديث عن الأسرة في مجال الثقافة الحسانية سنتوقف عند أربع نقاط عبور هامة وأساسية في بناء الأسرة وهي كالتالي:
Ø بناء مؤسسة الزواج
Ø المرحلة الانتقالية
Ø الاستقرار في بيت الزوجية
Ø تزايد أعضاء الأسرة
وسنحاول الحديث عن كل مرحلة على حدة لتقريبنا من المسار الذي تقطعه الأسرة في تكونها.
المرحلة الأولى
الزواج بناء أو تأسيس محكوم بظروف اجتماعية واقتصادية تفرضها طبيعة العلاقات والمصالح التي تربط أفراد القبيلة بعضهم ببعض، من خلال زواج أبناء العمومة. ويتجلى هذا الارتباط في مستويات عدة:
- اقتصاديا: لأنه يساهم في الحفاظ على المصالح المادية التي تربط الأسر داخل القبيلة أي عدم انتقال أو خروج الأملاك على خارج إطار الأسرة/القبيلة. وهذا ما يعبر عنه الأستاذ زهير حطب في دراسته لهذا الموضوع في العشيرة العربية القديمة :
يقول " وهكذا فإن هذا التدبير يوفق بين أمور عديدة أولها أن يبقى الإرث في عشيرة الأب والأم على السواء."
- سياسيا: في هذا الإطار ترى الباحثة الفرنسية صوفي كراتيني في دراستها عن الرقيبات أن زواج أبناء العمومة رباط سياسي وتشرح ذلك بقولها إنه ميثاق ورباط حتمي في ظل التطورات الطبيعية التي تلحق القبيلة جيلا بعد جيل، والتي يمكن أن تتسبب في قطع أو حل أو تراخي العلاقات الأسرية . فهي ترى أن هذا الرباط عمل يتوخى منه الحفاظ على التحالفات والقبلية على المدى البعيد.
هناك عدة قراءات يمكن أن نسوقها لهذا النوع من المصاهرة الذي ينبني على رابطة الدم، والذي كان شائعا في العديد من الحضارات الإنسانية خصوصا العربية والإسلامية والذي لا يزال محبذا في بعض المناطق في الوقت الحاضر. بل أنه إجباري عند بعض القبائل الصحراوية.
ومن التفسيرات البسيطة والقريبة من اليومي والمعاش، تكيف الفتاة أو الزوجة مع أسرتها الجديدة بأقل قدر من الصعوبات والتوتر لأن وحدة المحيط تسهل عملية الانتقال من بيت الأهل إلى بيت الزوجية.
شيوع زواج أبناء العمومة، لا يعني أن العكس غير وارد، ذلك أن الزواج أو التزاوج بين القبائل عملية لها أيضا أبعاد سياسية، اقتصادية واجتماعية ترتبط كما سبقت الإشارة بالمصالح التي تحددها طبيعة العلاقات السائدة بين المجموعات القبلية. لذلك ، وفي هذا الإطار يصبح الزواج شراكة سياسية واجتماعية واقتصادية بين القبائل.
قبل الانتقال إلى المرحلة الموالية، لا بد من الإشارة إلى نقطة مهمة ، وهي أن المصاهرة في المجتمع الصحراوي / المغربي كانت ولا تزال – عند بعض القبائل- ترتبط بطبيعة تقسيم المجتمع البيضاني ،والتي يغلب عليها الطابع الوظيفي ، ومن هنا يصعب أحيانا بل ويستحيل ، التزاوج بين طبقات معينة في المجتمع. ويمكن أن ندخل هذه الظاهرة، في إطار مبدأ التكافؤ والذي يتنوع في حياتنا الحديثة حسب المنظور الخاص لكل مجموعة، فهناك من يشترط التكافؤ الديني فقط وهناك من يركز على الجانب المادي أو المستوى العلمي أو الإطار الاجتماعي.....الخ.
وهذه مجموعة من الملاحظات العامة التي ترتبط بالزواج في المنطقة:
- الحضور القوي للتكافل الاجتماعي في بناء مؤسسة الزواج، وهو ما يفسر بعض الظواهر التي تبدو شاذة والتي لا تناسب الطبيعة البسيطة لأبناء الصحراء ، من ذلك مثلا غلاء المهور أو المبالغة في تجهيز العروس ، ذلك أن هذه المصاريف المبالغ فيها والتي هي دائما مثار نقاس حاد، يمكن أن نقلل من حدتها إذا عرفنا أن الزواج أمر لا يتعلق بالأسرة فقط ، بل هو شأن العائلة الكبيرة والقبيلة ، فالكل يساهم بقسط من المصاريف المادية من خلال الهدية الثمينة .
- القبيلة ليست حاضرة ماديا فقط، بل هي تمثل قوة ردع أخلاقية تحافظ على متعارف عليها تقيد الرجل المرأة ولا تسمح لهما بالتجاوز.. من ذلك مثلا الحد من ظاهرة تعدد الزوجات بطريقة شرعية فيشرط العديد منهم في عقد الزواج بأن "لا سابقة ولا لاحقة وإذا حدث فأمرها بيدها" وهو شرط يعني وضع الطلاق في يد المرأة إذا تزوج عليها الرجل أو اكتشفت أنه تزوجها على امرأة سابقة. هذه اجتهادات لعلماء المنطقة حدثت في إطار الأعراف وبعيدا عن النضالات النسائية ومطالب تعديل مدونة الأسرة.

المرحلة الثانية
المرحلة الانتقالية بين العزوبة أو بيت الأهل من جهة و الاستقرار في بيت الزوجية من جهة أخرى. هذه المرحلة تبقى فيها الزوجة في بيت أهلها مع زوجها الذي يتنقل بين أهله وأهل زوجته. وكانت هذه الوضعية تستمر إلى ما بعد ولادة الطفل الأول. لكن هذه العادة بدأت تتآكل بفعل متطلبات الحياة الحديثة، وتراجعت المدة إلى أشهر |أو بضعة أيام. ويمكن أن نقرأ هذه الظاهرة المتميزة في مسألة الزواج المبكر بالنسبة لكلا الطرفين ، ولذلك تبدو هذه الفترة الانتقالية ضرورية للاستئناس بالحياة الجديدة ومتطلباتها.
كما أن إنجاب الطفل- في الكثير من الدراسات الانطربولوجية- يكسب المرأة سلطة شخصية جديدة تخفف من صعوبة الانتقال.
حاليا، وكما سبقت الإشارة تراجعت هذه العادة بشكل كبير، أو أنها أحيانا أخرى غدت تأخذ شكلا جديدا أكثر ارتباطا بالظروف الاقتصادية والتي أصبحت تحتم الاستقرار مدة من الزمن في بيت أهل الزوجة أو أهل الزوج.
وهكذا، فإن ما كان ترفا اختياريا أصبح بفعل حاجات الزمن حاجة ملحة.

المرحلة الثالثة
مرحلة الاستقرار في بيت الزوجية، وهنا يبدأ البناء الفعلي للحياة الزوجية في إطار متكامل.
بالنسبة لطبيعة العلاقة بينهما والوظائف التي يمارسها كل منهما، فهي مرتبطة بالطبقة التي ينتميان إليها. ولكن هناك ملاحظات عامة تحكم هذه العلاقة . أولا مكانة الرجل كرب الأسرة والمسير ومركز القوة وهي سمات عامة مستمدة من طبيعة المجتمعات العربية والإسلامية ولكن تبقى لها خصوصيتها والتي تتجلى في المكانة المتميزة التي تحتلها المرأة في الأسرة/ القبيلة في هذا المجتمع.
يقول الشيخ محمد الإمام " فاعلم أن النساء عند أهل ذلك القطر كأنما خلفن للتبجيل والإكرام فلا تكليف ولا تعنيف ولا تثريب."
وفي شهادة للجغرافي الفرنسي CAMILLE DOULS عاشق الصحراء ، الذي قتل فيها ، يقول متحدثا عن طبيعة العلاقة بين الرجل الصحراوي و أسرته في النصف الأخير من القرن 19 :" إن الرُّحل رغم بربريتهم( عبر بهذه الكلمة بالضبط لأنه عانى من التعذيب الشديد عندما تم أسره على الشواطئ الصحراوية، واتهم بأنه جاسوس للكفار ) وقسوتهم، ينقلبون داخل خيامهم على قلوب مفعمة بالرحمة اتجاه المرأة والأولاد وهم ضد التعدد والمرأة عندهم تتمتع بقدر كبير من الحرية . ولأنهم يعيشون في فضاء واحد(يقصد المرأة والرجل) فإنهم يتقاسمون الحياة بمتاعبها وأعمالها وبينهم وحدة وتوحد.....ولذلك فالمرأة تتمتع بنفس الامتيازات التي يستفيد منها الرجل وهي مساوية له وتقوم مقامه في حالة غيابه .وتسير شؤون خيمتها (أولاد وخدم ومتاع...) و عندهم ميزة تعليم الإناث منذ الصغر مثل الذكور....." وبعد استفاضة كبيرة في هذا الموضوع يختم كاميل دول شهادته بالقول، سنجد قواسم مشتركة بينها وبين المرأة الأوروبية في وضعيتها الاجتماعية كما سنتها مؤسساتنا الحديثة."
المرأة إذن لها مكانة خاصة ومتميزة داخل النظام الأسري، وهي مسئولة عن بيتها وتسييره كما أن الرجل يأخذ على عاتقه الأعمال الشاقة وقد لا تضطر المرأة للعمل إلا كانت ظروفها خاصة. يقول الشيخ محمد الإمام: " وليس من عاداتهم أن تباشر شيئا من الخدمة بنفسها أي شيء إلا أن تكون في بيت فقر فلها أن تفعل من ذلك ما لا يحسن في عرفهم على الرجل مباشرته في عرفه."
ما أورده الكاتب هنا، يدخل في إطار طبيعة الانتماء القبلي الذي تحدثنا عنه سابقا ويبقى لكل مجموعة خصوصياتها الوظيفية التي تتقاسمها المرأة مع الرجل ، فهي عند الزوايا صاحبة علم وأدب وتشتغل بالأمور الدينية وعند حسان صاحبة مال تجارة ومالكة رقاب.وهي عند الصناع، صانعة ماهرة تساهم بمجهودها اليدوي في الإنتاج الصناعي التقليدي..وهي عند العبيد، أمة تخدم مصالح من تعيش في كنفه ..وهي عند "ايكَاون" أي المطربين، تمتهن الغناء منذ حداثة سنها كالذكر تماما...

المرحلة الرابعة
نخصص هذا المقام للحديث عن اتساع مؤسسة الزواج بقدوم الأطفال. وهنا لا بد من الاستهلال بملاحظة مهمة ، تتعلق بعادة لا زالت راسخة في المجتمع الصحراوي ، وهي أن المرأة لا تضع مولودها إلا في بيت أهلها . كما أن اسم المولود يخضع لقوانين خاصة تحتم التسمية على كبار العائلة كالجد المباشر أو الرجوع إلى ما قبل ذلك ويستحسن عندهم أن يكون اسم المولود الأول لأهل الزوج.
بالنسبة لظاهرة تفضيل الذكور على الإناث، لا نظن أن المجتمع البيضاني بريء منها ، رغم أن ما نراه على أرض الواقع لا يحيلنا على مبالغة أو عنف في هذا التفضيل. لأن مكانة المرأة تنفي هذا الأمر ، ولكن كمجتمع مغربي لا ينفصل عن إطاره العام العربي والإسلامي، نتصور هذا الوضع بشكل طبيعي خصوصا مع قسوة الحياة الطبيعية الصحراوية ، فالمولود الذكر يعطي إشارات أقوى على تحمل العبء والمساعدة في استمرارية الامتداد.
أما بالنسبة للتربية فنلاحظ أنه مع الأخذ بعين الاعتبار الاختلافات الطبيعية بين البنت والولد ، والتي تضيق من هامش طفولة الأنثى على اعتبار إعدادها المبكر للزواج ، فإنهما يتلقيان نفس التربية والمبنية أساسا على تثبيت المبادئ المتعارف عليها والأعراف التي تحكم المجتمع . فالطفل يتربى على احترام أخته واحتضانها ومن الأمثال الشائعة عندهم قوله للطفل عندما يعتدي على أخته: "بَطًّاطْ أًخْواتُ الشيعَ ما حَذَاتُ" وهو مثل يحذر الذكور من أن من يضرب أخواته، لن يكون له صيت بين الناس .
ومن هنا نفهم أهمية نظام الخؤولة في المجتمع البيضاني والذي ينبني أساسا على هذه العلاقة المتينة بين الخال وأبناء أخته . تقول صوفي كراتيني : "الأخ ومنذ طفولته وحتى مماته هو الحامي الحقيقي والمفترض لأخته " وتستمر قائلة : " الرابط الذي يجمع الأخ بأخته أصمن استمرارا من الرابطة الزوجية ....الرجل يمكن أن ينفصل عن زوجته ولكن لا يستطيع أن ينفصل عن أخته..."
هذه العلاقة المتينة التي تحرص الأسرة / القبيلة على تكريسها بين الولد والبنت هي التي تفسر طبيعة المعاملة المتميزة التي يعامل بها الرجل، المرأة/الأخت/الزوجة...
بالنسبة للتعليم ، فإذا كان الواقع الحالي وبشكل طبيعي يشجع العلم للذكور والإناث، فإن الإطار الذي نتحدث فيه ، وفي الفترات التاريخية السابقة لمرحلة التمدن ، كان تعليم الفتاة امتيازا وسبقا ذلك أن الفتاة تأخذ العلم مثل الصبي خصوصا عند قبائل الزوايا التي كانت معروفة بارتباطها بالعلم . وأول ما تتعلمه هو القرآن الكريم.
يقول الأستاذ خليل النحوي: "وقد كان من نتائج هذا الاهتمام بتعليم المرأة أن لعبت دور المدرسة الأولى لتربية النشء، فتلقن الطفل دروسه الأولى من تعلم الحروق الهجائية إلى تلقين القصص التاريخية ...والقاعدة العامة أن وراء كل رجل عالم امرأة مهدت له السبيل إلى الالتحاق بالمحضرة ( المؤسسة العلمية التقليدية )في مرحلتها المتوسطة."
ونورد هنا شهادة لأحد علماء سوس( المناطق المجاورة للصحراء) الكبار، وهو العلامة محمد بن أحمد المانوزي (1886-1940) والذي قال بعد زيارة قام بها للمنطقة " وفيهن عالمات وأديبات ، وأقلهن بضاعة في الفقه التي معها المرشد المعين لابن عاشر ، وأرجوزة القرطبي . ومن الأدبيات ، المعلقات السبع وغيرها من أيام العرب . وفيهن مدرسات للعلم في جميع الأوقات . وجميع الأنصبة. وقد شاهدنا امرأة وسطا تملي عليهن الشيخ خليلا بلا شارح، فخاضت في شرح متنه..وحولها من آخذات العلم ما يزيد عن ستين امرأة.
ونختم هذه المشاركة المتواضعة بإيراد مجموعة من الملاحظات أو الاستنتاجات التي يمكن للباحث أن يصل إليها، مما سبق ذكره:
1-صعوبة الحديث عن مؤسسة الأسرة ككيان مستقل، فهي مرتبطة بشكل عام بالقبيلة، وهذا الارتباط لا ينبني على الخضوع
للسلطة بمعناها القانوني أو المادي بقدر ما يرتبط بالسلطة الأخلاقية. ويلعب السن دورا كبيرا في هذه الترابية . ذلك أن شخصية الأب تتلاشى أمام شخصية الجد وهو وضع طبيعي وموازي لانصهار الأسرة الصغيرة في الأسرة الكبيرة/ القبيلة.
يقول المثل :" ايشُوفْ الشيخ التَّاكي لّما شَافْ أَفَكْراشْ الواَكَفْ" ومعناه أن الشيخ العاجز عن الحركة مت تقدم السن، قادر على رؤية ما يعجز عنه الشاب الحيوي النشيط الواقف على رجليه.
وفي هذا الإطار يصعب تصور الأسرة النووية في هذا المجتمع والتي تعني تمركز الأسرة حول الزوج والزوجة والأبناء، والتي أصبحت سائدة في المجتمعات الحديثة وإن بدرجة أقل في مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
هذه الوضعية شكلت عامل قوة للعلاقات الاجتماعية/الإنسانية، ، ذلك أن الطلاق مثلا لا يترتب عنه أي قطع أو تفسخ للعلاقات العائلية المحكومة بإطار أعمق . كما أنها عامل قوة للمرأة في علاقتها بالرجل والمجتمع فهي توفر لها الحماية الكاملة اللازمة لتكون في منأى عن أي ضرر مادي أو معنوي كما سبقت الإشارة ، لذلك فالمرأة المطلقة لها اعتبارها ومكانتها المتميزة وحظها في الزواج مرة أخرى لا يقل عن الفتيان الأخريات. ومن عاداتهم المثيرة والتي أصبحت تندثر ،إطلاق الزغاريد عند سماع نبإ الطلاق احتفاء بالمطلقة ولتحسسها أنها دائما على الرحب والسعة في بيت أهلها. وعند انتهاء العدة يقام لها حفل كبير قد يكون مناسبة ليتقدم لخطبتها آخرون.
2- قوة رابطة الخؤولة في هذا المجتمع / ودلالتها الفكرية والاجتماعية. ونفضل هنا الحديث عن الخؤولة بدل الأميسية أو الأموسية.لأننا نلاحظ من خلال العديد من التفاصيل الحياتية الصغيرة حضور الأخوال كقوة عاطفية كبيرة في مؤسسة الأسرة ونسوق بعض هذه المظاهر والتي سبق الحديث عن بعضها:
- استقرار الزوجين في بيت عائلة الزوجة مباشرة بعد الزواج.
- ولادة الأبناء عند أخوالهم
الارتباط الكبير للأبناء بالأخوال
في حالة الطلاق يتكفل أهل المرأة بأولادها مهما كانت الظروف صعبة.
عندما تتزوج المرأة مرة أخرى يبقى الأبناء مع أخوالهم.....
3-العلاقات داخل الأسرة/القبيلة محاطة بسياج من الحياء والذي يثير استغراب الكثيرين، ومظاهره لا زالت سائدة بقوة إلى يومنا هذا. منها مثلا خجل المرأة من والدي زوجها ونفس الشيء بالنسبة للزوج مع والدي زوجته. لدرجة أنهم لا يجالسوهم إلا في ظروف خاصة أو لإلقاء التحية والسلام مع طقوس من الخجل والاحترام المبالغ فيه.
الإحجام عن الحديث عن بعض الأمور أمام كبار السن وخصوصا الأصهار من ذلك مثلا حديث المرأة عن الحمل والأولاد أو العلاقات الزوجية..فهذه من المسائل التي لا يستحسن الخوص فيها إلا مع الأقران.
هذا الحضور اللافت للخجل الذي يحيط بعلاقة المصاهرة خصوصا، يمكن أن نقرأه بأوجه مختلفة ، يبقى أهمها الحفاظ على شروط التعايش بسلام وبدون مصادمات ترفضها البنية الأخلاقية للمجتمع البيضاني ، ولذلك وكما قلتا تبقى العلاقات جيدة بين الأسر رغم الطلاق.

هذه إذن باختصار بعض مظاهر الحياة الأسرية داخل مجال الثقافة الحسانية/البيضانية/الصحراوية والتي تشمل المناطق الجنوبية المغربية وموريتانيا.
وهي مظاهر لا زالت حاضرة بشكل أو بآخر في الواقع المعاش رغم أنها لم تسلم من التغيرات التي مست المجتمعات العربية والإسلامية عامة والطبيعية في ظل التحولات العميقة الاجتماعية والاقتصادية التي يعرفها العالم في عصر العولمة وفي ظل الانفتاح و حتمية التواصل التي أصبحت تفرض نفسها مع التطورات الهائلة على مستوى قنوات الاتصال والحوار.





أضف تعليقك على المقال
*المرجو ملئ جميع الخانات و الحقول الإلزامية المشار إليها بـ

* الإسم
* عنوان التعليق
* الدولة
* التعليق




أقرأ أيضا
التربية عند أهل البيت عليهم السلام
الأسرة الصحراوية ومكانة الطفل
“مواقع التواصل الاجتماعي ” وإدمان الشباب
ما الحكمة في الأمر بالوضوء بعد أكل لحم الإبل
في عز البرد إكتشف فوائد ومخاطر الحطب
المجلس العلمي المحلي بالعيون يفتح باب دراسة العلوم الدينية أمام عموم المواطنين و المواطنات
الشباب الصحراوي و الزواج .. عزوف أم خوف ؟
السواك ,, أسرار وفوائد ؟
معهد ألماني يحذر من استعمال الشاحن الرخيص الثمن لأنه قد يتحول إلى قنبلة موقوتة ! + فيديو
ima تنجح في تنظيم أول مسابقة للذكاء الذهني بالاقاليم الجنوبية