الصحراء زووم : عبد القادر داود

في إطار الندوة الصحفية التي نظمها السيد مولاي حمدي ولد الرشيد رئيس المجلس الجماعي للعيون، بحضور وازن ولافت للصحافة المحلية والجهوية، وبحضور مراسلي أبرز الجرائد الوطنية، حرص ولد الرشيد على وضع الأصبع على الجرح، بعيدا عن اللغة الخشبية التي اعتادها الكثير من السياسيين، موجها حديثه بلغة سهلة بسيطة، حتى تصل الرسالة بشكل واضح وجلي لا يقبل التأويل وتعدد التفسيرات، مقدما خطابا سياسيا يمتح من الواقع بحلوه ومره ودونما تنميق أو تجميل.


ولد الرشيد أعرب عن ألمه الشديد لتزايد موجات الهجرة السرية وما يتمخض عنها من آلام وجراح، داعيا شباب المنطقة إلى التعايش مع الواقع بإكراهاته ومعوقاته، معتبرا ذلك أفضل بكثير من فجع أمهات في فلذات أكبادهم بقرار ركوب أمواج البحر، ومواجهة الغرق، لافتا إلى أن الضفة الأخرى لم تعد مغرية، وأن الحلم بمستقبل زاهر بها بات جزءا من الماضي، مقدما أمثلة صارخة ونماذج ناطقة، عن معاناة الغربة وامتهان خدمات مهينة لا تشرف ساكنة الصحراء، التى رضع أبناءها الكرامة والعنفوان من أثداء حرائر لا يقبلن الذل والمهانة .


ولد الرشيد تحدث بلغة العارف بأوضاع السكان، والمدرك لخبايا ثقافة المجتمع الصحراوي، مقدمة مقارنة معبرة عن حال هذا المجتمع بين الأمس واليوم، وتزايد متطلبات هذه الأجيال الموغلة في الإسراف وسوء التدبير، بلسان فصيح يلامس عقول الخاصة والعامة قبل عواطفهم وقلوبهم، حاثا على التعايش مع الواقع كما هو وليس كما ينبغي أن يكون، وهي رسالة مفهومة وواضحة لمجتمع أضحى يعاني من تبعات مظاهر التباهي والتفاخر، وما ينجم عنها من تبعات كارثية، وهو ما نعاينه ونعيشه يوميا في رؤية بيوت تنهار بسبب الديون الناجمة عن البذخ المبالغ فيه، في حفلات الزواج والتي لا تتناسب والوضع الإقتصادي للكثيرين.


أما فيما يخص ملف التشغيل، الموضوع المأرق للساكنة ولشبابها بشكل خاص، والذي استحوذ على الحيز الأهم من المناقشات، وبعيدا عن الخطابات التي تبيع الوهم للشباب وهو ديدين الكثيرين، بسط ولد الرشيد اختصاصات المجلس الجماعي، مشددا على أن الملف يدخل في صلب اختصاصات الحكومة، بيد أنه وانطلاقا من غيرته على المنطقة وأهلها، لم ولن يمنعه ذلك من بذل جهوده قصد البحث عن حلول مبتكرة تخفف من وطأة هذه الآفة، والمساهمة في دحرها وفق ماهو متاح وممكن، من خلال فرض الأسبقية والأولوية في التشغيل لأبناء المنطقة على كافة الشركات الفائزة بصفقات إنجاز المشاريع المعلنة من طرف المجلس الجماعي للمدينة، وهذا هو أضعف الإيمان.


وفي مشهد لايختلف كثيرا عن توجيه رسالة أو نصيحة من أي أب لإبنه، حث ولد الرشيد على معالجة المشاكل الناجمة عن أخطاء التوجيه، داعيا أبناء المنطقة لاختيار شعب وتكوينات تتناسب وسوق الشغل وتيسر ولوجهم له دون انتظار سنوات طويلة تحت وطأة شبح البطالة القاتل .


ذات اللقاء شهد توجيه ولد الرشيد رسالة مباشرة لشباب المنطقة، تدعوهم للتشمير عن سواعدهم، والإبتعاد عن الإتكالية وانتظار فرج أو هدايا من السماء قد تأتي وقد لا تأتي بالعمل، وطرق كافة الأبواب دون كلل أو ملل، وكسر الصورة النمطية القميئة التي جرى التسويق لها، بأن أبناء الصحراء لا يعملون، وأنهم مجتمع كسول يختار النوم على بذل الجهد والعرق لكسب قوتهم اليومي وإعالة عوائلهم الذين ضحوا وبذلوا الغالي والنفيس ليواصلوا مشوارهم الدراسي وتحصيلهم العلمي .


رسائل واضحة تكشف إلمام إبن المنطقة الشامل والكامل، وهو المشرف على تدبير شأنها المحلي لمشاكل ومعاناة وأحلام أهلها وهو الطامح لتغيير ذلك الواقع بشتى الطرق والسبل في مشهد يختصره المثل الحساني "اللي ماهو فليد ما تكلعو العزة"...


غيرة وحس إنتماء تجاوز الساكنة المحلية ليشمل أبناء المنطقة في الضفة الأخرى، الذين أسهب ولد الرشيد في التعبير عن استشعاره لمعاناتهم اليومية مع الظروف المناخية القاسية صيفا وشتاءا، عاضا بالنواجد على أواصر القرابة التي تجمع ساكنة الصحراء بالضفتين، ورفضه البات والمطلق لتحويل الاختلاف السياسي وتباين الرؤى لمطية تتيح توجيه السباب والشتم لهم، وهو ما أكد أنه لن يسمح به بحضوره ...

Tweet