الصحراء زووم : سيد احمد السلامي

تشهد كبرى حواضر الأقاليم الجنوبية للمملكة حراكا ديبلوماسيا غير مسبوق، فبعد أن استقبلت العيون، وفدا عسكريا من جمهورية  ألمانيا الاتحادية، وقبله وفد رفيع المستوى عن الاتحاد الاوروبي، أسر مصدر عليم للصحراء زووم، بأن وفدا يضم شخصيات ديبلوماسية أمريكية رفيعة المستوى قد حل قبل قليل من مساء اليوم الأربعاء بالعيون.

وبحسب ذات المصدر، فإن الوفد الديبلوماسي الأمريكي ستكون له العديد من اللقاءات، وذلك للاضطلاع على الوضع الإقتصادي والإجتماعي والحقوقي بالمنطقة، كما سيقوم الوفد بزيارة إلى مقر بعثة الأمم المتحدة بالصحراء "المينورسو"، حيث سيجري لقاءات مع مسؤولين كبار في القيادة المدنية والعسكرية للبعثة الأممية.

وتتزامن زيارة الوفد الديبلوماسي الأمريكي للعيون مع الزيارة التي قام بها وفد يضم مسؤولين كبار من الاتحاد الاوروبي للمدينة، والذي استقبل من طرف والي جهة العيون الساقية الحمراء عبد السلام بيكرات، الذي اطلعهم على الوضع العام بالجهة، والتنمية التي تعرفها المنطقة، وكذا أجواء والاستقرار التي تنعم بها هذه الربوع في كنف المملكة المغربية.
 
الوفد الأوروبي استقبل كذلك من طرف رئيس مجلس جهة العيون الساقية الحمراء سيدي حمدي ولد الرشيد، الذي بسط أمام أعضاء الوفد الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة بالمنطقة، من خلال النموذج التنموي للاقاليم الجنوبية الذي أشرف على انطلاقته صاحب الجلالة الملك محمد السادس سنة 2015، والذي حول الجهة إلى قطب تنموي واعد يربط إفريقيا وأوروبا.

كما قدم ولد الرشيد عرضا شاملا حول مستجدات الوضع المتعلق بنزاع الصحراء، حيث اطلعهم ومن موقعه كعضو بالوفد المغربي بمفاوضات المائدة المستديرة التي ترعاها الأمم المتحدة، على الجهود التي يبذلها المغرب في سبيل إيجاد تسوية سياسية توافقية لهذا النزاع، من خلال المبادرة التي قدمها سنة 2007، والتي باتت تحظى بدعم إقليمي ودولي من مختلف دول العالم، فضلا عن احتضان حاضرة الجهة للعديد من القنصليات والتمثيليات الديبلوماسية لدول من مختلف أنحاء العالم، والتي تمثل اعترافا لا لبس فيه بالسيادة المغربية على الصحراء.

العيون كانت أيضا على موعد مع زيارة قام بها وفد عسكري من جمهورية ألمانيا الاتحادية، الذي توجه فور وصوله لمطار الحسن الأول، صوب مقر بعثة المينورسو، حيث كانت له لقاءات مع مسؤولي البعثة الأممية، الذين احاطوا الوفد بكافة جوانب عمل البعثة، وخاصة ما يتعلق بأداء مهامها المتمثلة في مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار، والصعوبات التي تواجهها في أداء مهامها، في ظل التحديات التي تواجهها خاصة مع إصرار جبهة البوليساريو على التنصل من الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار المبرم سنة 1991 تحت إشراف الأمم المتحدة، وفرضها لقيود على تحركات وحدات البعثة شرق الجدار الدفاعي.

ويأتي هذا الحراك الديبلوماسي الذي تشهده حاضرة الأقاليم الجنوبية للمملكة، بعيد أيام من الزيارة التي قام بها نائب وزير الخارجية الأمريكي لشؤون شمال إفريقيا جوشوا هاريس إلى الجزائر، التي التقى خلالها بوزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، والتي حرص من خلالها المسؤول الأمريكي، على تمرير رسائل واضحة، من قبل الإدارة الأمريكية للحكومة الجزائرية، بأن الولايات المتحدة تريد أن ترى حلاً سياسيا "دائما وكريما" لنزاع الصحراء الذي طال أمده، مؤكدا بأن واشنطن جادة في استخدام نفوذها لتمكين عملية سياسية ناجحة للأمم المتحدة، ومشددا على أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة واضح في أن العملية السياسية، يجب أن تعكس روح الواقعية والتسوية بشأن الظروف على الأرض في الوقت الحالي.

هاريس جدد في الحوار الذي أجراه مع وسائل إعلام جزائرية، دعم الولايات المتحدة الأمريكية لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية التي تقدم بها المغرب، وتعتبره مقترحا جديًا وذو مصداقية وواقعيًا، وأنه نهج محتمل لتلبية تطلعات ساكنة الأقاليم الجنوبية، فضلا عن تعبيره عن قلق واشنطن البالغ إزاء الأنشطة العسكرية، وتشديده على رفض واشنطن لأي استهداف للمدنيين، في إشارة إلى هجمات السمارة التي استهدفت مدنيين آمنيين نهاية شتنبر الماضي.

وقد كان لافتا تجاهل الجزائر عبر اعلامها الرسمي لزيارة نائب وزير الخارجية الأمريكي جوشوا هاريس، كما أن الخارجية الجزائرية لم تصدر أي بيان بشأن استقباله من طرف وزير الخارجية أحمد عطاف، وهو ما يشير إلى أن وراء الأكمة ما وراءها بخصوص عدم رضى الجزائر عن تحركات الإدارة الأمريكية وتصريحاتها الأخيرة بخصوص دعوة الأطراف إلى التحلي بروح الواقعية والتوافق من أجل البحث عن حل سياسي توافقي، في ظل إشادتها المتواصلة بمقترح الحكم الذاتي واعتباره المقترح الجدي والواقعي وذو المصداقية الذي من شأنه أن يشكل الأساس الوحيد للطي النهائي لهذا النزاع.


حراك ديبلوماسي أوروبي وأمريكي غير مسبوق تشهده اذن حاضرة الأقاليم الجنوبية، وذلك بالتزامن مع تحركات ديبلوماسية بالمنطقة، والتي تهدف إلى بحث السبل الكفيلة لبعثة العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة بهدف إيجاد تسوية سياسية توافقية للنزاع الإقليمي حول الصحراء، في ظل مكاسب ديبلوماسية كبرى يحصدها المغرب، على صعيد تعزيز وحدته الترابية وتكريس سيادته على أقاليمه الجنوبية، إلى جانب مكاسب ميدانية كبيرة بعد التغيرات الجيواستراتيجية غير المسبوقة التي عرفها النزاع منذ وقف إطلاق النار سنة 1991، خاصة بعد حسم المغرب لأزمة الكركارات، وتمديده جداره الدفاعي إلى الحدود مع موريتانيا، وكذا تصدي القوات المسلحة الملكية القوي والحازم لكل المحاولات والمناورات الرامية إلى تغيير المعطيات الميدانية على الأرض، يحدث كل ذلك في ظل تواصل الدينامية التنموية التي تعرفها هذه الربوع بفضل الجهود الجبارة للدولة والامكانيات الضخمة التي وفرتها لتحقيق ذلك، والتي يشرف على إنجازها أبناء المنطقة من منتخبي الأقاليم الجنوبية.

Tweet